أطل 17 ديسمبر يذكرنا باندلاع ثورة أطاحت بدكتاتور ولازالت تصارع الدكتاتورية وتعمل على اجتثاثها واقتلاع جذورها الممتدة لأكثر من خمسة عقود ثورة شعبية لايدعي أي طرف قيادتها ولا التنظير والتحضير لها بل كانت نتيجة تراكمات مظالم عديدة بدأت بالانقلاب على الحزب الحر الدستوري رائد الحركة التحريرية في تونس والتنكيل بالمخلصين له ثم باليوسفيين والاستعانة على تصفيتهم بالقوات الفرنسية (خنقة عيشة)وما عرف بالضباط الأحرار وبعض اليساريين ثم بالإسلاميين الذين خلف قمعهم مظلمة وحرمانا في كل حي إذا لم نقل في كل عائلة ولا ننسى انتفاضة بنقردان ... والحوض المنجمي
لقد كانت رد فعل على سياسة استبدادية، أمنية، قمعية، إقصائية، استئصالية، فاسدة جمعت الشباب باختلاف انتماءاتهم وخلفياتهم ومستوياتهم...إلى تلبية صرخة البوعزيزي "واشعباه".. وترديدها بين الجهات لتبلغ كل القرى والمدن والأرياف...كان الجميع يرددون "الشعب يريد إسقاط النظام" رايتهم واحدة شعارهم الكرامة ، الحرية، العدالة كلهم يطالبون بالانعتاق من ربقة الاستبداد والفساد والتبعية والتغريب
تساقط الشهداء والجرحى وعمت الاحتجاجات عديد المدن والقرى حتى وصلت العاصمة وما كان من رأس النظام إلا الهرب تاركا السلطة لأركانه ولقوى خفية وانتهازية متربصة تقمصت الثورية كما ادعت الحداثة والوصاية على الشعب وثورته وتأسست اللجان وتواصل ضغط الشارع فكانت اعتصامات القصبة 1 و 2 وانضم المناضلون
المفرج عنهم والعائدون من المنافي إلى التدافع
انطلقت كتائب الردة في ثورة مضادة بنشر الفوضى والمساهمة في الانفلات
الأمني والاعتصامات المعطلة للاقتصاد من قطع للطرقات وخطوط السكك الحديدية وغلق المعامل والمناجم وإثارة النعرات الجهوية والعروشية أملا في ترحم الناس على النظام البائد وعرقلة أي جهد إصلاحي
ورغم التآمر كانت انتخابات 23 أكتوبر وكانت الشفافية والنزاهة اندفع الشعب في أول تجربة اختيار حر ورغم ما شاب النظام الانتخابي من شوائب فقد اختار الشعب ممثليه في مجلس يؤسس لجمهورية جديدة أعطى ثقته لمن كانت برامجهم تنطلق من صميم الواقع المعاش ومطالب الثورة وتعهدوا باحترام وصايا الشهداء وكنس من نصبوا أنفسهم أوصياء ينظرون من أبراج عاجية صنعت في ألبانيا أو كوريا الشمالية منذ عقود وتجاوزت صلوحيتها بزمن
لجأت الكتائب الفاشلة إلى توسيع الاعتصامات والإضرابات وهددت بحرق الأخضر واليابس عقوبة للشعب وانتقاما من حكمه واختياره وتنادوا إلى مجالس ومؤسسات موازية ولم يترددوا عن طلب الحماية من "أمهم الحنون"
وانظم إلى هذا الخضم بروز حركات إسلامية المرجعية ظاهرية الفهم تقفز بشعاراتها إلى القطع الفوري مع العرف والواقع المعيش منذ عقود أو أكثر غير عابئة بسنن الله في الكون وأساسها التدرج والإقناع بالتي هي أحسن والتيسير والوسطية متجاهلة سيرة السلف الصالح وبالذات الخليفة الراشدي الخامس الذي ورث حكما عضوضا وانتقل به شيئا فشيئا وفي أقل من ثلاث سنوات إلى خلافة راشدة وكان يقول : أخشى أن أحملهم على الحق جملة فيتركوه جملة
هكذا تمر الذكرى الأولى والبلاد بين من يجتهد لتأليف حكومة وإصلاح مؤسسات الدولة والعمل على استتباب الأمن والانطلاق في برامج التنمية وجلب الاستثمارات وتشغيل العاطلين وبين من لايزال ينوح على خسارته ويعمل على الانتقام وتأبيد الاعتصامات والإسراع بترقية كل من يمكن ترقيته من كوادر النظام البائد لعل المستقبل يسعفهم بانقلاب ما يعيد بعض الامتيازات والمكاسب
ويبقى المتابع هو وفهمه وتحليله وعاطفته فالمعادلة صعبة بين حماسة واندفاع الثوار وشعاراتهم ومطالبهم وبين الواقع السياسي والاقتصادي ومطباته وضروراته.. وديبلوماسيته ويبدو الأولى منح الفرصة لمؤسسات الدولة الناشئة وتفهم حساسية البيئة التي تعمل فيها وتجنب الإرباك والاتهامات من هنا وهناك ومسؤولية أهل الاختصاص كل من موقعه المتابعة والتقييم والحساب
أما العموم فليساهم كل بدوره واختصاصه وامكانياته في دعم مؤسسات المجتمع المدني وإنشاء الجمعيات التطوعية والخيرية والتكافلية للنهوض بالجهات والأحياء المهمشة في
انتظار مشاريع الحكومة التنموية
راوية عجال ***
كنت و لازلت تونسية ثورية *
